النفط وسوق الأسهم: هل انتهى عصر العلاقة الثابتة؟

يظن كثير من المستثمرين أن تقلبات أسعار النفط تؤدي بالضرورة إلى تراجع وول ستريت، لكن الوقائع والتاريخ المالي يُظهران أن هذه العلاقة أكثر تعقيداً مما يتصور البعض، ولا يمكن اختزالها في قاعدة ثابتة تحكم تحركات السوق.
في الماضي، كان يُعتقد أن ارتفاع أسعار النفط يدفع المستثمرين إلى تقليل مخاطرهم في سوق الأسهم، وتركزت هذه النظرية في دراسات أكاديمية مثل تلك المنشورة في “جورنال أوف فايننشال إيكونوميكس” عام 2007 تحت عنوان “تأثير صدمات أسعار النفط على سوق الأسهم الأمريكية”، مما منحها ثقلًا علميًا واسعًا.
لكن المشهد تغير مع مرور الوقت. فعلى سبيل المثال، مؤشر “إس آند بي 500” سجل أداءً أفضل في المتوسط بعد موجات ارتفاع النفط خلال السنوات الأخيرة، مما يشير إلى أن العلاقة بين النفط والأسهم لم تعد تسير في اتجاه واحد، كما كانت عليه سابقاً.
ويرجع هذا التحول إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها زيادة إنتاج النفط في الولايات المتحدة بشكل ملحوظ، الأمر الذي خفّف من تأثر الاقتصاد الأمريكي بالتقلبات العالمية لأسعار الطاقة.
إضافة إلى ذلك، أعادت الأزمة المالية العالمية تشكيل رؤية المستثمرين تجاه النفط، فلم يعد يعتبر فقط كمؤشر سلعي بل كعامل مرتبط بتقلبات اقتصادية أوسع.
نتيجة لهذه التعقيدات، أصبح من الصعب بناء نماذج استثمارية تعتمد على توقعات أسعار النفط وحدها. استراتيجيات مثل تقليل الانكشاف على الأسهم عند ارتفاع النفط، والتي كانت ناجحة في الماضي، فشلت في إثبات فعاليتها في العقود الأخيرة.
وأكّدت دراسة حديثة صادرة عن باحثين من جامعتي لوزان وكاليفورنيا أن هذه الاستراتيجية فقدت الكثير من قوتها، حتى عند مراجعة فترات نجاحها السابقة.
وفي الوقت الحالي، يُعَد الربط بين الأحداث الجيوسياسية وأسعار النفط، ومن ثم تأثيرها على سوق الأسهم، مهمة شديدة التعقيد، لأنها تعتمد على توقع ردود أفعال الأطراف المتنازعة وتأثير تلك التصرفات على سوق الطاقة.
مثلاً، كان من الصعب جداً التنبؤ برد فعل إيران على الضربة الجوية الأمريكية لمنشآتها النووية، وأصعب من ذلك كان التوقع الدقيق لتحركات أسعار النفط التي تبعتها، الأمر الذي جعل تحركات سوق الأسهم في تلك الفترة غير قابلة للتنبؤ بدقة.
في النهاية، يبقى النفط من العوامل المؤثرة في الأسواق المالية، لكن العلاقة بينه وبين الأسهم لم تعد كما كانت في الماضي.
لذلك، ينبغي على المستثمرين توخي الحذر وعدم الاعتماد فقط على البيانات التاريخية، بل النظر إلى الصورة الشاملة، وتبنّي مقاربة أكثر حذراً ومرونة في اتخاذ القرارات الاستثمارية.