تقرير فرنسي: المغرب يحافظ على توازنه المالي.. لكنه بحاجة إلى قفزة نوعية في التنمية

في تقرير تحليلي موسع حمل عنواناً متفائلاً “المغرب: بإمكاننا تحقيق ذلك!”، قدم بنك “القرض الفلاحي” الفرنسي عبر خبيرته الاقتصادية، لور دي نيرفو، قراءة مركبة للاقتصاد المغربي.
ورغم طابع التفاؤل الذي يلوّن العنوان، إلا أن تفاصيل التقرير تكشف عن تقييم نقدي لواقع اقتصادي صلب من جهة، لكنه يعاني من ثغرات اجتماعية عميقة من جهة أخرى.
يأتي هذا التقرير عقب إعلان البنك عن بيع حصته في “مصرف المغرب” لمجموعة “هولماركوم” المملوكة لعائلة بنصالح، في خطوة تشير إلى تحولات استراتيجية لدى الفاعلين الفرنسيين في المملكة.
هذه الخلفية تعطي للتقرير طابع “التقييم من الخارج” ورسالة ضمنية إلى صناع القرار المغاربة بشأن مستقبل الإصلاحات.
التقرير يفتتح بتحية صمود الاقتصاد المغربي، الذي نجح في الحفاظ على توازناته رغم الأزمات المتتالية: من تداعيات جائحة كوفيد-19، إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا، مروراً بموجات الجفاف والزلازل.
في الوقت الذي تتعثر فيه اقتصادات دول مجاورة مثل تونس ومصر، وتواصل الجزائر الاعتماد على نموذج ريعي متأزم، يبرز المغرب كحالة استقرار وسط إقليم مضطرب، مما يعزز مكانته كوجهة جاذبة للاستثمار.
لكن التقرير لا يغفل حقيقة مرة: معدلات البطالة بلغت 13.3% سنة 2024، وهي الأعلى منذ سنوات، ما يعكس هشاشة النمو في توليد فرص العمل، وتحوله إلى “نمو بدون تشغيل”.
هذا التحدي يضاف إلى ملاحظة لافتة: بين عامي 2004 و2014، حقق المغرب نمواً اقتصادياً بمتوسط 4.3%، بينما انخفض المعدل إلى 2.5% بين 2015 و2024، ما يشير إلى تباطؤ مقلق قد يتحول إلى سقف يحدّ من طموح التنمية.
أما الفقرة الأكثر إثارة للاهتمام، فهي تحليل وضعية النساء في سوق العمل. يسجل التقرير تراجعاً في نسبة مشاركة النساء من 30% سنة 1999 إلى 19% سنة 2024، وهي من أدنى المعدلات في العالم.
ورغم أن المجتمع المغربي يبدي دعماً نظرياً كبيراً لعمل المرأة، إلا أن التحفظات الثقافية والاجتماعية – مثل تفضيل الزواج أو الأمومة – لا تزال تشكل عائقاً أمام دمج النساء في سوق الشغل.
وفي هذا الصدد، يشدد التقرير على أن الإصلاحات الاقتصادية وحدها لا تكفي، بل لا بد من تحولات ثقافية واجتماعية تعيد تعريف أدوار النساء وتحرر طاقاتهن، باعتبار ذلك عنصراً حاسماً في معالجة بطالة النساء والشباب.
التقرير، وإن بدا في ظاهره دراسة اقتصادية، يعكس في عمقه قلقاً فرنسياً من التحولات الجارية في المغرب، وخاصة من تراجع النفوذ الفرنسي لصالح شركاء دوليين جدد كالصين والولايات المتحدة ودول الخليج. في هذا السياق، يمكن قراءة التقرير كرسالة واضحة: المغرب يسير في الطريق الصحيح، لكن عليه أن يذهب أبعد في إصلاحاته لتفادي “جمود الاستقرار” وتحويله إلى إقلاع تنموي شامل.
في نهاية المطاف، يكشف هذا التقييم عن بلد صامد، لكنه بحاجة ماسة إلى تجديد النموذج التنموي والاجتماعي، ليستمر في مسار الصعود ويحقق طموحاته كقوة اقتصادية صاعدة في حوض المتوسط.